الزعيم جميل الحسامي مسيرة مناضل 1908 – 1964
الزعيم حميل الحسامي مسيرة مناضل 1908 – 1964
إذا كان نكران الذات والتضحية بالحياة الشخصية لربح الحياة العسكرية، هما اقصى ما يمكن ان يصل اليه عسكري في وظيفته، فان الزعيم جميل .الحسامي يعتبر نموذجا ً يُحتذى في نكران الذات وفي التضحية
وإذا كانت السيرة الذاتية لأي عسكري ناجح لا تنفصل بأي حال عن تاريخ بلاده، وهي تختصر بالتالي المراحل التاريخية الدقيقة والمحورية التي مرّ بها هذا الوطن، فإنّ في سيرة الزعيم جميل الحسامي ما يضيء على اكثر من حدث سياسي وتاريخي بارز ومحوري عرفه لبنان في تاريخه …الحديث
من صفوف الجيش اللبناني، إلى صفوف قوى الأمن الداخلي، إلى قوس المحكمة العسكرية وصولا ً إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي . .مراحل قطعها جميل الحسامي جنديا ً وضابطا ً وقائدا ً، أعطى فيها الجندية عصارة عمره
.قليلون هم الضباط الذين تسنى لهم أن يلعبوا الدور الأمني والعسكري والقضائي الذي لعبه الزعيم جميل الحسامي
ورغم أنّ العمر لم يمتدّ به طويلا ً ( 56 عاما ً ) . إلا أن ما أنجزه في حياته القصيرة نسبيا ً ، كان كافيا ً لأن يدخله السجل الذهبي من تاريخ مؤسستي الجيش وقوى الأمن الداخلي اللبناني، إذ أن الرجل بدأ حياته وأمضى قسما ً منها ضابطا ً في الجيش ، قبل أن ينتقل إلى مؤسسة قوى الأمن الداخلي ويتسلّم إدارتها في 3 تشرين الأول 1962 ، بعدما كان قد رقي لرتبة زعيم في 1 كانون الثاني 1959 ، حين كان يشغل أيضا ً .منصب قائد لمنطقة لبنان الجنوبي إبتداء من أول تموز 1953 ، هذا مع إحتفاظه بوظيفته الأساسية في الجيش رئيسا ً للمحكمة العسكري
وهكذا تسنى للزعيم الحسامي أن يحمل ثلاث مهمات عسكرية وأمنية وقضائية، معا ً ما لم يتسنّ لسواه من الضباط ، لا في ما سبق ولا في ما لحق
كسب صداقة وإحترام الرئيس كميل شمعون من قبل أن يصبح رئيسا ً للجمهورية . واختلف معه رئيسا ً في سياسات أمنية داخلية عرفها عهده
لكن من دون أن يتواجه معه . أو يتهاون في تأديـة واجب أوكـل إليه ، بـل إن » الزعيم » ظلّ مخلصا ً لقسمه العسكري ولأمانته في وضع المصلحة الأمنية قبل المصلحة السياسية ، وشهد له تاريخه بذلك
حاز محبّة الرئيس فؤاد شهاب قبل أن يكسب ثقته المطلقة، فغدا الرجلان صديقين حميمين . ولم يتردد الرئيس شهاب في أن يوكل للزعيم الحسامي .اصعب المهام وادقها، كما سجل من جهته إخلاصا ً كحرصه على توطيد دعائم دولة ألعدل والمؤسسات
ولعلّ في ما كتبته جريدة » رقيب الأحوال » في عددها رقم 6672 تاريخ 10 تشرين الأول من عام 1962، ما يدل على مدى التقدير الذي كان :يلاقيه الزعيم الحسامي قاضيا ً وقائدا ً وعسكريا ً… تقول ألصحيف
» حياة الزعيم جميل الحسامي نمودج رائع للعناصر الطيبة … تدرّج في حياته من اول درجات السلم إلى ارقاها، وهو في جميع هذه الحالات مثال .الأخلاق الكريمة
» بدأ حياته الجندية تلميذا ً في المدرسة العسكرية. ثم ضابطا ً صغيرا ً فعقيدا ً فزعيما ً يترأس المحكمة العسكرية، وهو الأن المدير ألعام لقوى .الأمن الداخلي
» في جميع هذه التطورات الطارئة على حياته العسكرية تميّز بدماثة الأخلاق وحسن القيام بالواجب ، فحالفه الرقيّ إلى أن بلغ القمة.
. » وأملنا وطيد بأن قوى الأمن الداخلي في عهده تخطو خطوات واسعة في معارج الرقي والتقدم وحفظ النظام واداء الواجب «
وعلى حساسية مهامها ودقتها، وجسامة مسؤولياته وخطورتها، لم تخلُ حياة الزعيم جميل الحسامي من مواقف حاسمة وخطيرة ومحرجة أيضا ً
منها مواجهته كرئيس للمحكمة العسكرية، عملية الإنقلاب التي جرت في ليل 30-31 كانون الأول 1961 وألتي عرفت ب »حركة ألقوميين » ونتائجها القانونية والقضائية . فترأس المحاكمات الطويلة والمثيرة التي جرت إثرها، والتي لا تزال تثير حتى اليوم جدلا ً في الأوساط السياسية …والقانونية اللبنانبه
وما ميّز القاضي العسكري الأول الزعيم جميل الحسامي، كما يقول معاصروه، هو أنه أقرن التشدد القانوني والحسم القضائي بالحس الإنساني العميق، بعاطفة هي من طبيعته الشخصية. وكثيرا ً ما كان يتألم في ذاته من حكم أطلقه اقنع منه العقل والمنطق وجانس القانون، على متـّهم عرفه …في زمن أو صادقه في مرحلة من مراحل العمر
على أن هذا الحس الإنساني العميق الذي ميّز شخصية الزعيم الحسامي ظلّ خبيء شخصيته، ليظل أمام قوس المحكمة القاضي الذي لا يهادن …والعادل الذي لا يظلم، يساعده في ذلك مظهر فيه مهابة، وشخصيته تحمل في صفاتها الجسمانية الكثير من صفات القائد، وخصائصه الشكلي
وها هو المحامي سليم باسيلا أحد المحامين ألذي ترافعوا أمام الزعيم الحسامي، يصف القاضي العسكري- وكان قد توفاه الله عام 1999 كاتبا ً في :جريدة « النهار » تاريخ 17 تشرين الأول عام 1964 ما يلي
» القاضي العسكري الأول، كان هذا في يقيني يوم ولجت باب المحكمة العسكرية اول ما ولجته، وعلى القوس رجلٌ مديد، بدين، جهيد الصوت، .يدير دائرته بطلاقة القاضي الأصيل وهو العسكري العريق
» كان لا يكترث للقواعد، ولا يبالي بالأصول، ولا يحفل إلا بالمنطق، ولا يأبه إلا للخالق. وكان لا يهون ولا يهين منه الصوت والرأي. وكنت إذا لاينته لانت قناته. وإذا تشدّدت عليه تشدّد علي، ثم عاتب نفسه وطواها على مرارة. ولم تكن رحمه الله سلاطة اللسان أجدى عنده من إلتفاتات الذهن، وإلتواء الفكر انفع له من سلامة القياس، وشهوة الجدل اقرب إليه من حبّ الحقيقة . كلّ ذلك ضنا ً بأخلاقه على الغمز، وبإحساسه عن .المضاضة «
ويوم تولى الزعيم جميل الحسامي منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي في العام 1962، كانت هذه المؤسسة قد خطت خطوات واسعة نحو التنظيم والتجهيز، خصوصا ً وأن الرئيس فؤاد شهاب كان يعوّل كثيرا ً عليها وعلى مؤسسة الجيش. ويراهن على دور كبير لها في بناء دولة .القانون والمؤسسات التي حلم بها وعمل لأجلها. لذلك لم ير أجدر ولا أكفأ من الزعيم الحسامي ليتبوأ هذا المنصب ويقوم بهذه المهمة
وكالعادة لم يخيّب الزعيم ثقة رئيسه به، فأقبل على منصبه الجديد بروح العسكري المحترف، الذي كانت خدمته في الجيش قد صقلته واكسبته خبرة إستطاع معها أن يضبط المؤسسة ويقدّم قوانينها مطبقا ً الثواب والعقاب، حتى غدا رجل الأمن مثالا ً للإنضباط في داخل السلك، ومثالا ً للجرأة والشجاعة في تأدية مهامه ، فأكتسب إحترام الناس ومهابتهم، حتى غدا عسكريا ً واحدا ً قادرا ً على تطبيق القانون كاملا ً في أصعب .الظروف وأخطرها
أما شخصية القائد الزعيم جميل الحسامي كما عرفتها مؤسسة قوى الأمن الداخلي، وكما عرفها المقربون منه، فتصفها جريدة « النهار » في عددها تاريخ 17 تشرين الأول 1964، إذ كتب محررها يقول:
كعسكري إشتهر الزعيم الحسامي بحدبه على مرؤوسيه وتفهمه أوضاعهم ولكن كانت له حيال المقصّرين والخارجين على قواعد الإنضباط مواقف حاسمة . وخارج نطاق العمل الرسّمي كان الزعيم الحسامي من رجال الظرف والكلمة الحلوة والنكتة البارعة… وحتى في المواقف .الصعبة كان يحاول أن يخلق بظرفه جوا ً منفرجا ً
هذه الشخصية المحببة والمرحة على طرافة وإنضباط ومثالية عسكرية، هي نفسها الشخصية التي يؤكد افراد عائلة الحسامي من الذين عرفوا .الزعيم وعايشوه
فقد كان جميل الحسامي حدوبا ً على عائلته، ولم تكن مهامه العسكرية، على جسامتها ودقتها لتلهيه عن ملاحقة الأمور العائلية والإهتمام بها وإعطائها حقها من المتابعة. ولكن متى كانت تواجه الزعيم مصاعب مهنية تراه يجد نفسه امام تحدّ كبير أو مهمة كبيرة، يخلد إلى ذاته وينصرف .الى وحدة مختارة يقيس فيها الأمور في سلبها وإيجابها قبل ان يتخذ قراره الأخير، وقد كانت عائلته تحترم وحدته هذه وتساعده عليها
وقد بادلت عائلة الحسامي كبيرها الحب بالحب والوفاء بالوفاء . واللافت في شخصية الزعيم هي انها كانت محط تقدير وإعجاب الجميع، من الذين احبوه ووافقوه ومن الذين عارضوه وانتقدوه ، بدليل أن احدا ً من الذين وقفوا امامه في قفص الإتهام على قوس المحكمة العسكرية ونالوا منه اقسى العقوبات، لم يتهمه بإنحياز او بشطط، بل ظلت صورته راسخة في أذهان الجميع بصفات التجرد والعدل والإخلاص، رغم أن المرحلة …التاريخية التي ملأها رئيسا ً للمحكمة العسكرية ومديرا ً لقوى الأمن الداخلي لم تخل من دقة وخطورة على المستويين الأمني والسياسي
ونظرا ً لكفاءته العسكرية والثقة الموضوعة فيه، فقد أوكلت لجميل الحسامي، عسكريا ً وضابطا ً وقائدا ً أصعب المهام وادقها من التي دخلت .التاريخ الأمني والعسكري للبنان الحديث
فالحسامي كان على رأس قوة الجيش اللبناني التي احتلت » المالكية » وهزمت الجيش الإسرائيلي فيها في العام 1948. وكانت القوات العسكرية اللبنانية والقوات السورية وما سمّي » بجيش الإنقاذ » قد استولت على المالكية تمهيدا ً للزحف على الحولة والإتصال بالقوات السورية الزاحفة .شمالها
وقد كانت معركة المالكية معركة ناجحة وضعت خططها بإحكام وأعدت وسائلها خير إعداد. وقد تم تنفيذ هذه الخطط واستخدام هذه الوسائل بدقة ، فسقطت المالكية دون عناء كبير ودون أن تكلفنا خسائر في الأرواح أو العتاد. على ما تقوله جريدة » كل شيء » في عددها الصادر بتاريخ 11 .حزيران 1948 على لسان القائد اللبناني الذي قاد المعركة المظفرة
كما كان العقيد جميل الحسامي أحد قادة الحملة الكبيرة والشهيرة التي قامت بها قوى الأمن الداخلي في العام 1950 على جنوب منطقة البقاع، وبالتحديد على المنطقة الممتدة من بلدة » القاع » حتى » سحمر » وقد كانت هذه المنطقة تعرف أنذاك ب »مستودع البارود » نظرا ً لما تعج جرودها .من خارجين على القانون
وتروي جريدة » كل شيء » في عددها الصادر بتاريخ 3 ايلول 1950 عن حال تلك النقطة قبيل تنظيم الحملة الأمنية عليها قائلة: » البنادق التي يملكها الأهالي تزيد عن العشرة الاف بندقية حربية، وبعضها من احدث ما صنعته معامل فرنسا وإيطاليا، وليس هذا مجرد تخمين، وإنما هو …تقدير رسمي موجود لدى وزارة الداخلية في بيروت
وعدد القتلى في سنة واحدة بلغ ماية واربعين قتيلا ً سقط نصفهم ضحايا الثأر وربعهم دفاعا ً عن العرض… والربع الباقي في خلافات شخصية. وعدد المطلوبين في جميع أنحاء البقاع يزيد على الألف، ولم توفق الحكومة حتى الأن إلى القبض على عشرة منهم. والجرود التي يعتصم فيها …المطلوبون لا يمكن لأية قوة مسلحة أن تقترب منها »
أمام هذه الصورة الأمنية الشاذة سيّرت الحكومة اللبنانية آنذاك قوة كبيرة من الجنود والدرك مجهزة بأحدث الأسلحة تدعمها المدفعية والمصفحات والطائرات. وقد كان العقيد جميل الحسامي الذي كان قد عاد إلى لبنان حديثا ً من دورة دراسية في باريس على رأس القوة التي كانت بلد صبحي .صادق اسماعيل المطلوب الرقم واحد آنذاك في شمال شرقي البقاع، والتي اعتبرت آنذاك معقلا ً للخارجين على القانون
وقد وفق الفوج الثالث الذي كان بقيادة العقيد الحسامي في الدخول الى المنطقة وتنظيفها وإعادة هيبة الحكومة إليها مما أكد أهلية هذا الضابط الشاب .وأفسح في المجال أمامه للتقدم سريعا ً في السلك العسكري
وبعد، لئن خسرت القوى العسكرية النظامية اللبنانية الزعيم جميل الحسامي باكرا ً، فإن في ما أنجزه من مهام وما أرساه من قواعد ومثل في الحياة العسكرية، باق بقاء هذه القوات ومستمرا ً إستمرارها. ولا شك في أن الجيل الجديد من الضباط والعسكريين، في الجيش اللبناني كما في …قوى الأمن الداخلي، سيجدون في سيرته ما يُرشد ويغني
– وسام الأستحقاق اللبناني الفضي والفضي ذوالسعف والمذهب.
– وسام الأرز الوطني من درجة فارس سنة 1950.
– وسام الأرز الوطني من درجة ضابط سنة 1958.
– وسام الأرز الوطني من درجة قومندور سنة 1963.
– الوسام الحربي مع السعف وتنويه سنة 1948.
– وسام فلسطين التذكاري.
– وسام الأستقلال للمحكمة الأردنية الهاشمية من الدرجة الثانية.
– وسام الأستقلال السوري من الدرجة الثانية.
– وسام الكوكب الأردني من الدرجة الثانية.
– ميدالية الجدارة اللبنانية في 20 شباط 1964 من وزارة الداخلية.
– تهاني من قائد الجيش سنة 1946.
– تابع عدة دورات دراسية في لبنان بين سنتي 1938و1955.
– تابع دورات دراسية في الخارج بين سنتي 1950و1955.
– إشترك في مؤتمرات دولية عدة.
الزعيم
جـمـيـل بن الشيخ حسين الـحـسـامـي
سيرة عسكرية
– ولد عام 1908 في مدينة جبيل » محافظة جبل لبنان « .
– تطوع في المدرسة الحربية في دمشق إعتبارا ً من 23 أيلول 1930.
– رقي لرتبة مرشح ضابط في أيلول 1931.
– رقي لرتبة ملازم في 10 أيلول 1932 والتحق بفوج القناصة الثاني.
– عين قائدا ً لفوج القناصة الأول في 15 كانون الأول 1944.
– رقي لرتبة مقدّم بصفة مؤقتة في آذار 1946.
– عين قائدا ً لمنطقة لبنان الجنوبي في 1 تموز 1953.
– رقي لرتبة زعيم بصفة نهائية في 1 كانون الثاني 1959.
– نقل الى لفيف المقر العام وعين رئيسا ً للمحكمةالعسكرية في 17 حزيران 1959.
– توفي عازبا ً في العام 1964 عن 56 عاما ً.
بالتعاون مع مواقع الحسامي