ذاكرة التاريخ: رسَالتان متبادلتان بَين موسى بن نَصير وطارق بن زيَاد ـــ نذير الحسَامي
تأثر الفاتح العربي موسى بن نصير المولود في سنة 19هـ/ 640م بمآثر القائد العربي العظيم خالد بن الوليد في وقائعه وانتصاراته في الإسلام. فكان يستمع وهو صبي إلى ما كان يرويه والده نصير عن بطولات خالد وعبقريته في فنون القيادة العسكرية وتدبير الخطط وكسب المعارك فيطمح إلى أن يكون له شأن في الفتوح إذا شبَّ وأن يحدث فيها حدثاً كابن الوليد. وترعرع موسى في وسط عربيّ إسلامي تعبق أجواؤه بأحاديث الفتوحات والبطولات والأخلاق العربية الإسلامية الأصيلة من جرأة في الحق وصراحة في الرأي ووفاء في الولاء.
وقد ابتدأ طريقه إلى فتوحاته في الشمال الإفريقي وإسبانيا باتصاله بوالي مصر عبد العزيز بن مروان الذي ضمه إليه وهيأ له الفرص للانطلاق بتلك الفتوحات، وبذلك انتقلت إلى موسى بن نصير راية الجهاد في شمال إفريقيا وما يليها من قادة الفتوح الذين كانوا قبله وعلى رأسه عقبة بن نافع وحسان بن النعمان. وتم لموسى إقامة حكم إسلامي عربي متين الأساس مدعوم بحسن الإدارة والسياسة واعتماد العدل ونشر الإخاء بين جميع العناصر. وقد استعان في الفتح والحكم بنخبة من القادة المحنكين في الحرب والسياسة، عرباً وغير عرب وكان على مقدمتهم طارق بن زياد الذي خوّله موسى سلطات عسكرية وإدارية مطلقة وهو من البربر المسلمين المتفانين في نشر راية الإسلام..
و(الرسالتان) بين موسى بن نصير وطارق بن زياد، موضوع قصائد هذه المطولة، تتناولان أحداثاً بالغة الأثر والنتائج والعبرة في التاريخ العربي للفتح الإسلامي في ركن من أهم أركان العالم يمتد غرب البحر الأبيض المتوسط.
فموسى بن نصر يتوجه برسالته إلى طارق بن زياد مثنياً على شجاعته وبسالته فيما تم على يديه من الفتوح، بعد أن كان توجه بالعتب والتوبيخ لطارق الذي توغل في زخم انتصاراته ففتح (طليطلة) في إسبانيا وامتد إلى ما وراءها خلافاً لبلاغ موسى إليه بألا يتجاوز طليطلة تجنباً لمحذور التفاف العدو عليه وتفادياً لأن يقع فيما وقع فيه قبله عقبة بن نافع. فكأن موسى بهذه الرسالة يجد لنفسه في نفس طارق الذي يقدره تعليلاً لموقفه ذاك منه الذي ابتغى به وجه الصالح العام للفتح والاستجابة لرغبة الخليفة الأموي في دمشق. وكأنه من خلال ثنائه على طارق يثني على المثل العليا في أخلاق القائد المؤمن وفي أهداف الفتح العظيم كما أنه يجزل للقائد المنتصر بالثناء تشجيعاً له على المضي قدماً.. علماً بأن موسى كان سارع إلى طارق في طليطلة منجداً معززاً له بجيش ثم استأنفا معاً زحفهما شمالاً. وكذلك فعل برحلة العودة إلى دمشق إذ حرص على أن يسير معه طارق ليطلع المشرقيين على ما قام به أبطال المغرب في سبيل رفع اللواء الإسلامي..
وفي الرسالة التي يجيب بها طارق على رسالة قائده يبرز وجه الإخلاص والتفاني في خدمة ما تدعوه إليه الدعوة الجديدة من بذل وتضحية وإيمان، كما يبرز الشعور بالإخاء والحب الذي ربط بين الجندي وقائده في غرض نبيل مشترك بينهما، فضلاً عن التقدير والاحترام من قائد معارك مظفر كطارق لقائده الأعلى موسى الذي خطط لكل تلك المعارك وأعطاها من خبرته وفنه وبعد نظره الكثير. ويحدثنا التاريخ عن طارق بأنه كان يشيد في فتوحه باسم قائده الأعلى موسى ويذكر أنه يسير تحت لواء أميره الذي يعمل أيضاً تحت لواء أمير له هو الخليفة..
وهكذا يسهب طارق في رسالته إلى موسى بالتنويه بمآثر قائده العظيم ويذكر بأحاديثه ووصاياه، ذلك القائد الفذ الذي « ما هزمت له راية قط ولا فُض له جمع ولا نُكب المسلمون معه نكبة منذ اقتحم الأربعين إلى أن شارف الثمانين » كما تحدث بذلك عن نفسه للخليفة سليمان بن عبد الملك.. وكأنه يتمثل في ذلك بأستاذه وملهمه فن الحرب والانتصار البطل خالد بن الوليد سيف الله المسلول الذي لم يغمد على هزيمة قط..
نذير
***
رسالة موسى لطارق:
يا أخي، والإخاء عقد لواءينا، أناءٍ بالمكرمات كداني؟
أين ألقاك في زحوفك بل أين على كل زاحف تلقاني؟
سألت ضمَّر الجياد: من الغازي؟ أيمضي ثبتاً بألف جنان؟
ومن الفارس الذي صهوات الموت كانت له مطايا أماني؟
أيه يا (طارق) العلا يا عُقاباً مغربياً طلق المدى والعنان
عمرك الله يا سليل الأشداء من الماجدين والفرسان
المناجيد لوحت منهم الشمس جباهاً إلى السماء رواني
والميامين في شموخ جبال رضعوا كبرياءها في المغاني
طاولوها: جنحاً يصك الذرا الشم وجنحا يفيص للوديان
عانق (الأطلس) الدجيُّ لياليهم وراح البحران يعتنقان(1)
في الرزايا تعارفا والمنايا فهما: أول يمور وثاني
عمرك الله يا ربيب البطولات سقته من ضرعها بليان
جمعتنا أرومتان من البأس حكاياهما حكايا الزمان
ورعتنا على الشدائد صحراوان حنَّت رؤاهما للتداني(2)
الرمال التي تلهِّب في (البطحاء) أخت الرمال في (تطوان)
جردتني سيفاً فلما التقينا بضحانا صاح الدجى: سيفان
في هوى المجد ما عبرنا من الهول اقتحاماً وفي هدى الرحمان
عسكر النصر عن شمائلنا غنى لجند الردى عن الأيمان
وحدَّ الحق منتمانا ونادت، في الليالي، الدنيا: هما المشرقان
زحف العنفوان دون مرامينا ولله زحفه بالأماني
نتحدى الهضاب في الزحف ألا تتنحى فتنطوي كل ثواني
ولو الراسيات في وجهنا قامت لدكت على صدى العنفوان
مبتدانا ومنتهانا مع الحق فيا صاحباً كريم المجاني
برقت بالمنى ظبي المغرب الأقصى على لمح مشرق أرجواني
المروءات من شمائلنا الغرّ وعزَّت شمائل القرآن
أيها (الطارق) الأبي أما كنت على البغي طارق الحدثان؟
(لُوذُريق) أدرى بطعنتك الشقراء تُدمي من أشقر طعَّان(3)
مال لما مالت عليه سراياك فطاحت رؤاه بالميلان
فأجر في هواه جرعته الكأس فذاق الهوى بحد اليماني!
***
يا صفياً سقيته حنظل العتب ولكن حلو الحديث سقاني(4)
صبٌ بشرى فتوحه في جحيمي فتندت ببردها نيراني
خشعت غضبتي على الأسد المقدام لما بغاره حياني
نبأ الظافر المظفر في الساح رمى جمرتي وبلّ جناني
كل قلبي له، لوثبته، كان وإن رُعته بنصف لساني(5)
ما شنأت الفتى الذي في سبيل الله والمجد في يديه عصاني
أفيسقى ليث الشرى يمسح الغاب ويجلو ذئابه شنآني؟
في ضلوعي اللظى تفجر هل توثق كفي دون اللظى شرياني؟
أنت هذا الفتى المؤزر في ركب المعالي وفي خطا الركبان
طرّزت جانحيك حُمر الجراحات تعرّى منهن كل جبان
وتحلى الجفنان من رهج الحرب بكحل يا حلية الشجعان
شرفُ السيف أن يثلَّم بالضرب ويُكسي من الأعادي بقاني
***
أيها الناشر الميادين تطويهن في النشر معجلاً غير واني
أي أخا الكر هل يفر بك الميدان أم قد فررت بالميدان!؟
لم تدع للعدو شوط رهانٍ هل تبقَّى له ثرى لرهان؟
كلما هزني اشتياقي للقياك أجاب البشير: دعني وشاني!
أنا ألقاك كل يوم بتهليلي وبالفوز في غد تلقاني
كلما قلت: أين؟ قال لي الفتح: إلى فك كل عبد وعاني
وإلى فض كل ليل على الأرض بسيف صليله نوراني
بل إلى غزوة تمجد اسم الله يعلو في عالم شيطاني
فأسر بالحق لا نأى الصبح يا (طارق) إنا على السرى أخوان
لك مني يد تشد يداً منك فحيث اتجهت كان مكاني
ليس تنأى عنا المجرة أما وصلتها بالفتح منا يدان
نحن سهمان قوسنا واحد يرمي ولم ينشعب به قوسان
كل كسر منيت فيه وتمنى لكلينا يوم الردى كسران
علم الله لم أخفك على البعد ولكن أشفقت ألا تراني
لم أنهكَ عن (طليطلة) الأمجاد ضنَّاً بكل سبق زهاني(6)
غير أني ضننت بالنسر أن يشرد عني وراء تلك الرعان(7)
لم يزل جرحنا (بعقبة) يدمى أفيدمي قلوبنا جرحان؟(8)
خفت أن تكبو الخيول على الجري وراء الظلام في معمعان
أو تكلّ الظبى ضراباً وإن كانت على من طغى ظبى عُربان(9)
خفت أن تنحر الأضاحي وعيد النحر يشكو فينا فوات الأوان
وتكلفت أن أطيع أولي الأمر وراء الحدود فيما أتاني(10)
أنت عذري فلا عليك، بما أسلفت، مني ومن بني مروان
صدقت فيك حسبة الذود والمجد وأحدوثة الوغى والطعان
هزهز الحد للفرنج وراء الصرح يحمي العاتي ويخفي الشاني(11)
والمعالي لأهتكنّ حمى الباغي بسيفي وأفضحن الزاني
وسأمشي إلى دمشق على أنقاض روما.. والويل للرومان(12)
وسنزهو أنا وأنت لواءين على الحق لا على البهتان
يتكنى (الوليد) فخراً بما حزنا، ودار الجهاد في مهرجان(13)
***
لك يا (طارق عندي ما تشاءُ
مجدك الوضَّاء مجدي والعلاء
نحن سيفان بغمد في البلاء
***
في سبيل الله كنا أغلبينِ
ضمنا الحق فسرنا أخوين
نلتقي حداً ومتنا صارمين
***
لم نخف ويلا وليلاً في بريق
هل يخاف البحر سيلاً في طريق؟
نحن أحمى الناس خيلا يوم ضيق
***
في تنيَّات المآزق والسفوحْ
خافق يهفو لخافق ويبوح
كلنا (موسى) و(طارق) في الفتوح
رسالة طارق لموسى:
يا أميري يا ساحر القول بيَّنت فنعم البيان نعم المقالُ
الخطاب الذي كتبت فأطنبت منار به العثار يقال
ودليل يهدي البطولات ما عاشت وما عاش خلفها أبطال
ويهز النهى ويذكي الرجولات إذا صاح: أين أين الرجال؟
كنت في كفك الحسام الذي شئت فلا غادر ولا ختال
يا أمير الصبحين حداً وتبياناً أمن ضوء موكبيك يُنال؟
أنا جنديُّك الأمين توسمت زئيري فجاءك الرئبال
ما المحيط اللجي في دفقة الإيمان؟ ما الرمل ما الفلا، ما الجبال؟
أنا فيمن زادوا علوَّاً بعلياك وفي سابغات طولك طالوا
في دروب الجهاد وسَّعت آفاقي فما ضاق عن مداي مجال
الضفير الذي عقدت، بما جدت على هامتي، عُلاً لا يُزال
في الليالي رفعت قدري بما سطرت.. لولاك هل جلاني قتال؟
ياحصيفاً تخيرتني أمانيه ليوم تكبوبه الآجال (14).
جثمت فوق صدره من دجى الطاغوت سُحب من السواد ثقال
سأل البأس فيه: أين أخو الزحف؟ وهل مثل بأسنا سآل؟
خطفتني رسالة الله والإسلام فيه، فكل ليلي اشتعال
فتشمرت مثلما شاء لي الحق وهمَّت تصيح بي الأجيال
ألف لبَّيك يا نداء السماوات ولفّ الأعاديَ الزلزال
صُعقوا في وقائع دُكت الأسوار فيها ودقت الأقفال
راية المصطفى يكبر فيها (خالد) والأشاوس الأشبال
يا جنود الإيمان زحفاً على الآي ففي كل آية تصهال
وعلى كل نقلة من معانيها ارتحال مع الهدى وانتقال
طهروا الأرض باللظى.. خمَّت الأرض وطافت برجسها الأوحال
واغسلوها من جاهليات أوطانٍ رموز التقوى بها الجهال
وأغيثو الإنسان شدّت وسدّت بيديه وقلبه الأغلال
واستردوه من صغار حياة كالها بالأسى له كيَّال
وثنيٌ يغتال حرية الناس، إذا كالهم، بأن يكتالوا
والضلالات بين كر وفر صنم يعتلي وفأس تطال
لم يمت في مدى الزمان (أبو جهل) ولا فارق الأذان (بلال)!
***
يا أمير الجهاد يا (ابن نصير) والرسالات وثبة ونزال
الشروق الجديد هلّ علينا بك في المشرقين منه هلال
أنت حُملت ما ينوء به الشجعان والسيد الفتى حمَّال
جُمع الرأي والمضاء بثوبيك.. أ (ابن الوليد) عنك يقال؟
خلَّة طوعت لدعوتك الفولاذ ما الرمح وحده ما النصال؟(15)
ما عصاك المستكبرون يساقيهم على اللين من نداك خلال
وسواء علَّمت بالخلق أو أفحمت بالحق هل كفألك فال؟
جئت من مشرق السنا لروابينا فدان الملوك والأقيال(16)
بيدٍ تزرع الصخور فتفترُّ اخضراراً وتورق الآمال
وبأخرى تستنطق السيف إن أعيا على النطق جلمد ورمال
***
يا وريث الأمجاد من أهل بدر سيقول التاريخ: صُلت وصالوا
هل شأوت الأبرار من آلك الصيد؟ وهل أنت إلا الآل؟(17)
إيه يا با ذر الحضارة في دنيا جفتها من البذور الغلال
أنت ليث الوغى وغيث المغاني أخصب الحل فيك والترحال
كيف أطلعت من مغاربنا في الليل شمساً بُكورها الآصال؟
تغرب النيِّرات في غير دنياها فإدبار ضوئها إقبال
وحدَّت عصبة السيوف على التوحيد فالعجز في رؤاها محال
***
إيه يا كاسر برحي بعد نيري
الوغى يلهب جرحي وسعيري
خلني آت بصبحي يا أميري
***
هات من شبرك ميلا وانطلق بي
لن أريك المستحيلا دون دربي
حسبيَ الفتح دليلا والتأبي
***
يا شجاعاً لشجاع كن معيني
خلني أضرب بباعي ويقيني
أنا أحرقت شراعي وسفيني(18)
قدري في كبريائي باقتحامي
أنا قيدت ورائي بأمامي(19)
وتقربت لنائي من مرامي
***
رائد المكرمات، عفوك يا موسى، إذا لج بي اللظى في جناحي
أنا في نارك الحمية أعدو وبأطيابها أعطر راحي
جاء نصر الله المؤزر يحدونا لمد الجراح مركب ساح
أنت أدرى بما يبيته الغدر وراء الهضاب خلف البطاح
العدا اليوم من حطام ولكن في غد من أسنة ورماح
ربما أرثوا الصراع صليبياً رشدّوا له متون الرياح(20)
كفروا بالصليب فهو شعار لتقيِّ لا معتد وإباحي
يا أميري يا فاتحاً بهدي الفرقان أكرمْ بالهدي والمفتاح
أنا فيما عزمت ريش خوافيك وإن شئت جنح حتفٍ متاح
أطلقت هزة المضاء أمانيك فأطلق مع الخيول سراحي
وتقحم بيَ المهالك في الحق وشقَّق برد الدجى عن صباحي
نعمَ ما كان من إبائك وعراً في دجيّ وعر على المجتاح
الكمين الذي (بعقبة) أودى لاذ من خوفه بكل وشاح(21)
فاخترق شاهق الرواسي من الجذر وثب فوق ما رد منزاح(22)
وأنا والرجال شُم العرانين على الجانحين شهب الأضاحي
وأنا والخيول حيث تلفتنا جنود في فيلق (الجراح)(23)
***
الحديث عن الخيل:
يا أميراً بيومه فرح النصر تهلل في ذكره الأفراح
ما نسينا يوماً حديث فتى الشام.. وأحبب بنشره الفواح
ما نسينا ذكر الوقائع غراً
من فتى كان غرة للكفاح
تلتقي (القيروان) عندك يا موسى و(شام) الهوى بعرف الأقاحي(24)
ما ذممناك في المفاخر تشدو
بسجايا السلاح يوم السلاح
ما ذممنا عن المعالي وأهليها حكايا نجم العلا اللمَّاح
وعن الخيل عدة الحرب والضرب.. وناهيك بالوفاء والسماح
جيرة الحي شيمة وإباء
وانتخاء إذا لحاها الملاحي
غضبت في لجامها فتنزت
كرماً في صهيلها والجماح
عضت اللجم وانثنت تخبط الأرض وترغي بكبرياء الجراح
« يا رفاقي لا تلجموا الخيل يوماً
في غدوٌ إلى الوغى ورواح »
« لا تبيحوا ظهورها للرعاديد لئلا تكبو بظهرٍ مباح »
« ودعوها بغيظها تشعل الحمَّى، على الكبير، في حمى مستباح »
« باركوها مجامر العز سقياها.. وفُضت مجالس الأقداح »
« خيلكم خيلكم نمتها المروءات عراباً ما دنست بسفاح »
حكمة يعربية يفصح الميدان عنها بالبارقات الفصاح
قولة منك يا أمير عليها
كل غاوٍ يصحو وأين الصاحي؟
***
خاضت الليل غماراً في المعالي
تقدح الصبح شراراً والليالي
توجت بالدمّ غاراً في المجالي
***
صفق المجد وسبحْ لرؤاها
كيف خيل العرب تكبح عن مداها؟!
ويحكم بل كيف تذبح في عُلاها؟؟
***
وصمة أن تطعنوها في الجوانح
والردى أن تجعلوها في الذبائح
أبواها وأخوها كل فاتح
هي خيل الله تسأل شرب ماء
جرحها الوهاج مشعل للفداء
فأغيثوها بسلسل من إباء
هل ستقتل؟؟
ليس تُقتل
ليس تقْتل…
دمشق 5/12/1983.
نذير الحسامي
الهوامش:
(1)-البحران: هما السكان الأشداء في شموخ المغرب الأقصى مع البحر الأطلسي.
(2)-الصحراء العربية التي زحف منها الفاتحون العرب ابتداء وصحراء المغرب وقد انطبع أهلوها بطابع متشابه في البأس والعادات والأخلاق.
(3)-عرف طارق بن زياد بأنه كان طويلاً أحمر الشعر. وفي رواية أن (لوذيق) ملك القوط في إسبانيا قتل على يد مروان بن موسى بن نصير في أثناء زحف موسى شمالاً للقاء طارق ونجدته في طليطلة.
(4)-إشارة إلى ما سبق من لوم وإدانة صدرا عن موسى بحق طارق لمخالفته أمره في التوغل في الفتح إلى طليطلة وما بعدها للأسباب المبينة في المقدمة.
(5)-إشارة إلى أن موسى كان في لومه لطارق يضمر له من الحب والإعجاب أكثر مما يبدي من الحنق عليه.
(6)-إشارة إلى ما كان يشعر به موسى من الزهو بانتصارات طارق لأنها مضافة إلى الفتح الإسلامي وإلى تخطيطه وتدبيره.
(7)-إشارة إلى ما قصده موسى من تجنيب طارق وجيشه الامتداد إلى ما وراء الحواجز الجبلية المعترضة وعلى رأسها جبال البرانس (البرنية).
(8)-إشارة إلى الفاتح العربي القائد الشجاع عقبة بن نافع الذي انطلق بجيشه حتى بلغ شاطئ المحيط الأطلسي مجاهداً في سبيل الله. وقد استطاع العدو أن يلتف عليه التفافاً غادرا بعد أن بعدت خطوط فتوحه فاستشهد وخسره الفتح.
(9)-إشارة إلى فقرة وردت في خطبة طارق المشهورة بجنده في فاتحة معركته مع القوط وهي: « … وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك من الأبطال عرباناً.. ».
(10)-إشارة إلى ما كان ورد لموسى من أوامر الخليفة بدمشق من طلب التحوط لجند المسلمين في الفتوح من المخاطر.
(11)-إشارة إلى الفرنجة من القاطنين في الشمال من جبال البرانس.
(12)-سول لموسى طموحه أن يأتي إلى الشام من طريق القسطنطينية مخترقاً جنوب أوربا. وقد نوه بذلك المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون مثنياً على النتائج التي كان يمكن أن تقطف ثمارها البلدان المفتوحة الغارقة في ظلام تصور الجهل والعبودية.
(13)-دار الخلافة بدمشق وكانت متهيئة للاحتفال باستقبال الأبطال الفائزين.
(14)-إشارة إلى خطة موسى بفتح (شبه جزيرة إيبريا) إسبانيا.
(15)-إشارة إلى ما كان يتحلى به موسى من حسن الرأي والتدبير والحكمة في سياسة البلاد المفتوحة ومعاملة الأهلين.
(16)-إشارة إلى خضوع الكبراء والأمراء من سكان المغرب العربي الذين دانوا بالطاعة والولاء للدين الجديد.
ويروي التاريخ أن موسى بن نصير يوم عاد إلى دمشق عاد بموكب حافل سار فيه الأشراف من قريش والأنصار والعرب الذين ساهموا في فتح المغرب كما ضم نفراً من كبار رجال البربر ونفراً آخرين من كبار رجال الدولة القوط، وذلك إشادة من موسى بمآثر الفتح الإسلامي ليشهدها الخليفة الوليد بن عبد الملك عنوان عزة وغلبة..
(17)-اشتهر موسى بروايته للحديث النبوي عن الصحابي تميم الداري، وبلغ درجة عالية في العلم والرواية لأحاديث الرسول الكريم حتى صار مصدراً ينقل عنه نفر من التابعين تلك الأحاديث. وقد قال بعض العلماء يصفه: إن موسى بن نصير كان عاقلاً شجاعاً كريماً تقياً إلى الله تعالى ».
(18)-إشارة إلى ما قام به طارق من إحراق للسفن بعد وثوبه بجنده إلى البر الإسباني حفزاً للهمم ودفعاً للتفاني في سبيل النصر.
(19)-إشارة إلى المعنى الوارد في خطبة طارق (البحر من ورائكم والعدو أمامكم..).
(20)-إشارة إلى مشاركة طارق لقائده موسى في الرأي حول ما يجب إعداده للعدو (الفرنجة) المتربعين بالمسلمين الفاتحين من أسباب الحيطة والقوة كيلا يباغتوهم بالغدر والعدوان وراء شعار من (الدين) لأسباب لا تمت إلى جوهر الدين، كما تم فيما بعد في العصور التالية في حملات هؤلاء الفرنجة في الحروب الصليبية المعروفة.
(21)-إشارة إلى ما صحّ لدى الفاتح العربي من انتفاء الخطر في الوقوع في كمين كالذي وقع فيه من قبل عقبة بن نافع وذلك بعد أن اتخذت أسباب الحيطة والحذر.
(22)-يقصد بالمارد جبل (البرانس) الشامق الذي كان حاجزاً طبيعياً قائماً في وجه الزحف العربي نحو الشمال.
(23)-البطل القائد أبو عبيدة بن الجراح.
(24)-إشارة إلى مركز مدينة (القيروان) التي بناها عقبة سنة 50هـ/ 670م في نفس موسى وقد حولها هذا الأخير إلى قاعدة مركزية في شمال أفريقيا تزود المسلمين في إسبانيا بمستلزمات الفتح من عتاد وعدد..
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العددان :15 و 16 – السنة الرابعة – رجب وشوال 1404 – نيسان « ابريل » و تموز « يوليو » 1984