استمع الى القصة بصوت الكاتبه فاطمة الحسامي على الرابط التالي
الألة التي تسمع الأنسان ما لا يسمع
قصة مترجمة من اعداد وترحمة فاطمة حسام الدين
في مساء يوم دافء مشى كلوزنر بسرعة أمام البوابة وبجانب المنزل داخل الحديقة اجتازها ليصل الى كوخ خشبي ومن ثم فتح الباب وبعد ان دخل أغلق الباب خلفه .
كان داخل الكوخ غير مطليا بالدهان , على يساره وباحدى حيطانه لوح خشبي كبير وعليه مجموعة من الاسلاك والادوات الحادة , بالاضافة الى صندوق أسود اللون وطوله ثلاثة أقدام .
اتجه كلوزنر اليه , كان مفتوحا وانحنى ليفتش داخله بين الالوان المختلفة من الاسلاك , والانابيب الفضية . اخذ ورقة بجانب الصندوق , تدارسها بعناية ثم وضعها جانبا لينظر داخل الصندوق ثانية وليمرر أصابعه عاى طول السلك , ليشدها برفق متأكدا من ارتباطها .
عاود بنظره الى الورقة , ثم الى الصندوق , ومرة أخرى الى الورقة متفحصا كل سلك على حدا واستغرق على هذه الحال مدة ساعة .
وضع يده حول الطرف الامامي من الصندوق , حيث يوجد ثلاثة مفاتيح ليبدأ بتحريكها,وبذات الوقت , راقب حركة الالة داخل الصندوق . تكلم الى ذاته مع فعله ذلك وأصابعه ننحرك بسرعة وتأن داخلها . أرى فمه يتحرك بأشكال هكذا عندما يكون حساسا أو صعبا قائلا . » نعم … نعم والان هذه ,… نعم .. ياترى هل هذا صحيح ؟ أين المخطط؟….هاهو نعم .. طبعا .. هذا صحيح.. » كان انتباهه يثير الاهتمام , حركه سريعه , وكأن بطريقة عمله هذه شيء من الضرورة القصوى , حابسا نفسه , قوة مستديمة , واهتمام .
ليسمع فجأة صوت خطوات من الخارج تتقدم نحو الكوخ . نهيأ واستدار بسرعة اذ فتح الباب ودخل رجل طويل القامة انه سكوت كان الدكتور سكوت .
» اذا هنا تختبئ في المساء » قال الدكتور سكوت … قال كلوزنر » مرحبا سكوت «
رد الدكتور سكوت مررت فقط , واذ بي جئت لاراك , لا أحد في المنزل , نزلت لاراك .. كيف حنجرتك اليوم ؟ «
ـ » تمام , عظيم , » وبما اني بقربك علي الان ان اتفحصها «
ـ » لا تزعج نفسك , رجاء ,شفيت تماما , عظيم . »
بدأ الطبيب بشعر بضغط في الغرفة , نظر الى الصندوق الاسود فوق المشغل الخشبي , لينظر ثانية الى الرجل قائلا » ماهذا ؟ أتصنع مذياعا ؟ «
ـ « لا.. أتسلى فقط » وأخذ نظرة من التفحص داخل الصندوق » انه شيء متشابك . »
« نعم » أجابه كلوزنر وذهنه مشغول بشيء اخر …
« ما هذا ؟ » سأل الطبيب » يبدو شيئا مؤذيا اليس كذلك؟ »
ـ » انها فقط فكرة « .
ـ » نعم؟ «
ـ » عليها ان تعطي صوتا ‘ هذا كل شيء . »
ـ يا للسماء ‘ يارجل ألا يكفيك ما عندك من هذه الانواع يوميا في الشغل ؟ »
ـ » أحب الصوت «
ـ » يبدو ذلك » متخذا طريقه نحو الباب واستدار ليقول » لا أريد أن أشغلك ‘ وسعيد لاطمئناني على حنجرتك . » ومع ذلك بقي.. ينظر الى الصندوق ‘ قلق عما يفعله مريضه ‘ » حقا ‘ قلي لم هذا؟ انك تثير فضولي الان « .
نظر كلوزنر الى الصندوق ثم الى الطبيب وبدأ يفرك أذنه اليمنى برفق ‘ بعد توقف ‘ كان الطبيب بجانب الباب ينتظر مبتسما .
ـ » حسنا ‘ سأقول لك . » بعد توقف اخر ‘ تمكن الطبيب من رؤوية ارتباكه من مواصلة العمل.
ـ » نعم ‘ تقريبا ‘الفكرة سهلة للغاية …. الاذن لا تستسيغ جميع الاصوات ‘ هناك المرتفع منها أو المنخفض وايضا التي لا يمكن سماعها « .
ـ » نعم » رد الطبيب نعم » .
ـ » حسنا ‘ أي نوته موسيقية عالية لديها أكثر من 15000 اهنزازه والتي تليها لا يمكن سماعها ‘ان حاسة السمع عند الكلاب أقوى مما لدينا نحن ‘ انه يستطيع سماع ما بعد الصوت العالي ‘ فبعض الاصوات لا يسمعها سوى الكلاب «
ـ » نعم ‘ رأيت احداها . »
ـ » طبعا ‘ يوجدعلى السلم الموسيقي النوته الاعلى من تلك‘ و يوجد دائما نوته اخرى لا يمكنك سماعها أيضا ويعتليها على السلم اخرى.. وأخرى لترتفع على السلم دائما وأبدا ….
ويوجد نوته موسيقية مرتفعه تهنز مليون مرة في الثانية ‘ وأخرى مليون اهتزازة مرتفعة عنها وهكذا دواليك … من عال الى اعلى وتبتعد في العد الى ماوراء النجوم .
يبدو مهتما أكثر فأكثر ‘ انه رجل صغير الحجم ‘ نحيل عصبي المزاج يداه في حركة دائمة لكن رأسه المليء يميل نحو كتفه الايسر وكأنه ثقل على رقبته ‘ وجهه ناعم وشاحب يميل الى البياض ‘لكن عيناه الرماديتان ذو نظرة ثاقبة من وراء نظارة اراهما مضطربتان ايضا . ويشعر الطبيب عندما ينظر الى وجهه فرق شاسع بين تفكيره وشخصه . انتظر الطبيب يريد سماع المزيد ….
وقال كلوزنر ببطء » اعتقد بان هناك جملة كاملة من الاصوات حولنا ( او الاهتزازات طوال الوقت ) لا يمكننا سماعها من المحتمل في تلك المناطق المرتفعة تتواجد أصوات عالية لا يمكننا سماعها وتشكل موسيقا قوية مثيرة تجعلنا منساقين فيما اذا عشقتها أذاننا ‘ ويمكن وجود أي شيء … لنتعرف اليه من خلال الصوت . »
ـ »نعم « أضاف الطبيب » لكن ما من مثيل «
ـ » لم لا ؟ لم لا ؟ مشيرا الى ذبابة فوق احدى الاسلاك على المشغل الخشبي . »
ـ » أترى تلك الذبابة ؟ ما الصوت الذي تصدره الان ؟ لا نسمع صوتا . »
لكن المخلوق يصفر أو يغني.. أليس لها فما ؟ هل لها حنجرة ؟ » نظر الطبيب الى الذبابة مبتسما ممسكا بقبضة الباب » حسنا َ‘ ستتفحص ذلك ؟ «
ـ قال كلوزنر » من زمن تمكنت من صنع الة بسيطة تبرهن وجود تلك الاصوات التي لا يمكننا سماعها .ولطالما راقبت الابرة تسجل اهتزازاتها وجود صوت في الاثير‘ بينما لا اسمعها ‘ وهي الاصوات التي اود ان اصغي اليها وأعرف مصدرها ومسبباتها ؟ »
ـ وهل الالة الموجودة على الطاولة ‘ ستسمح لك بسماع الضجيج ؟ »
ـ ربما ..من يعرف ؟ لم يحالفن الحظ سابقا وهذه الليلة أجريت بعض التغيرات عليها وسأحاول تجريبها ثانية » هذه هي الالة ؟ قالها وهو يلمسها » صممت لتلتقط الاهتزازات الصوتية العالية جدا ‘ والتي لا تلتقطها الاذن البشرية انها تسخرها لنسمعها وأشغلها بالمفتاح كما المذياع . »
نظر الطبيب الى الصندوق الاسود » أستحاول هذه الليلة ؟ »
ـ » نعم «
ـ « حسنا أتمنى أن يحالفك الحظ » قالها وهو ينظر الى ساعته » علي الذهاب الان » وداعا اود ان اتي ثانية لاعرف ما حصل » ذهب الطبيب وأغلق الباب خلفه .
بقي كلوزنر لفترة يعمل ويقوي الاسلاك داخل الصندوق الاسود ‘ انه يهمس بصوت مسموع ناعم » سأحاول ثانية …. ساخذه الى الحديقة هذه المرة … وربما … ربما ‘ سأرفعه الان …بعناية …. يارب ما أثقله » حمل الصندوق الى الباب ‘ لكن ليس باستطاعته فتح الباب لذا وضعه على المشغل الخشبي وفتحه ليحمل صندوقه ثانية بصعوبة الى الحديقه ‘ وضعه بانتباه فوق طاولة خشبية . .. كانت على العشب ‘ وعاد الى الكوخ ليحضر سماعتيين ربطهما الى الالة ليجربهما .
كانت حركة يداه سريعه وصحيحة ‘ ويتنفس بثقل وسرعة وبكل اهتمام أيضا يتابع التحدث مع نفسه ببضعة كلمات التي تجلب الراحة والتشجيع على اتمام عمله ـ ـ هذا وتملكتنا المخاوف من الفشل ومن النجاح …
وفي الحديقة حيث الغروب لا من رياح وهدوء تام ‘ وقف هناك قرب الطاولة الخشبية : شاحبا ‘ نحيلا ‘ صغيرا وكأنه طفلا مريضا .
ومن ذات المكان يمكنه رؤوية امرأة وراء السياج في الحديقة المجاورة ‘ تتمشى وبيدها سلة من الزهور أخذ يرقبها لفترة دون أن يعني له ذلك شيئا ‘ واستدار نحو صندوقه الخشبي فوق الطاولة ليضغط مفتاحه الامامي . وضع يده اليسرى على التحكم واليمنى على المفتاح الاخر ليحرك ابرة الجهاز على طول مقياس مدرج كتلكم التي نراها في المذياع . يبدأ من الرقم 15000الى 1000000 . ونراه منحنيا فوق الالة ‘ وابرتها تتحرك ببطء شديد على المقياس لدرجة يصعب معها رؤوية ذلك ‘ ويستطيع سماع صوت ضعيف من السماعتيين وما هذا الصوت الا ضجة الالة نفسها .
وبينما هو يصغي ‘ ينتابه شعور غريب… كأن أذنيه خارج رأسه كل منها مربوط الى سلك رفيع يزداد طوله مع الوقت ويعلو ويعلو لتصل الى سر الارض المحرمة في ذلك العالم من الاصوات حيث لم تصلها الاذان بعد وممنوع عليها ذلك .
تحركت الابرة ببطء أمام اللوحة المدرجة ليسمع وفجأة صوت صرخة مخيفة قفز وأمسك بحافة الطاولة . نظر حوله ليرى الشخص المتوقع منه اصدار الصوت لكن لا أحد هناك سوى تلك السيدة التي انحنت لتقطف من الحديقة الازهار الصفراء وتجمعها في سلتها . عادت ثانية تلك الصرخة حادة ‘ قصيرة ‘ واضحة ودون مصدر بشري مؤثرولهذه النوته صفة معدنية لم يعرفها من قبل . نظر كلوزنر حوله محاولا معرفة مصدر الصوت ان السيدة جارته كانت المخلوق الوحيد الذي يراه ‘ يقطع الزهرة بمقص ليسمع الصرخة من جديد تتزامن مع قطع الورد . وهنا جمعت السيدة باقتها ووضعت المقص في السلة مع الزهر وأخذت تبتعد ناداها كلوزنر بصوت مرتفع وباهتمام شديد « سيدة سوندرز .. » واستدارت حولها لترى جارها يقف في حديقته ‘ يضع سماعتيين ويلوح بيديه مناديا اياها بصوت اثار ذعرها . .. » اقطعي واحدة أخرى أرجوك وبسرعة «
ــ جمدت مكانها تنظر اليه » لماذا ياسيد كلوزنر ؟ ما الامر؟ «
ــ « أرجوك افعلي ما أقول ‘ فقط واحدة أخرى »قال كلوزنر
ان السيدة كلوزنر تعرف شخصية جارها لكن يبدو عليه الجنون هذه المرة‘ واحتارت هل تقصد
زوجها؟ وترددت لانه انسان ذو نيه طيبه بالتأكيد » سأفعل ان أردت ذلك يا سيد كلوزنر » وأخذت مقصها لتقطع زهرة أخرى وسمع كلوزنر ذلك الصوت المخيف انها صرخة من غير مصدر تتزامن مع قطع الورده ‘ خلع السماعتيين وركض الى السياج الفاصل بين الحديقتيين » حسنا يكفي ذلك ‘ لا من مزيد » .
وقفت السيدة تنظر اليه وبيدها وردة صفراء وبالاخرى المقص . قال » سأقول لك شيئا يا سيدة سوندرز ‘ شيئا لن تصدقيه : لقد قطفت هذا المساء سلة مملوءه بالزهر بمقصك الحاد هذا ‘ انها نباتات حية وكل زهرة قطفتها صرخت بطريقة مخيفة ‘ أتعلمين ذلك ؟ «
ــــ » لا ‘ بالتأكيد لا أعلم. »
ــ » سمعت صراخها في كل مرة ‘ انها صرخة الالم » .
ــ » حقا … ياسيد كلوزنر « . قررت الوصول الى منزلها في خمس ثوان . واستطرد قائلا » نستطيع القول أن شجيرة الورد ليس لها جهاز عصبي ولا حنجرة لتصرخ … هذا صحيح ليس للنبات هذه الاجهزة . كيف تعلمين ياسيده سوندرز ؟ » وهنا اتكأ فوق السياج وكرر السؤال بغضب: كيف بامكانك معرفة اذا كان لشجيرة الورد من الشعور بالالم عندما يقطع تيجها كما لو أن أحدهم قطع خصرك بذلك المقص الكبير ؟ كيف بامكانك معرفة ذلك ؟ انها مخلوق حي أليس كذلك ؟ .
» نعم … ياسيد كلوزنر‘ نعم أسعدت مساء . » استدارت تركض متجهة وبسرعة نحو البيت وعاد هو الى الطاولة ليضع السماعتيين وينصت برهة انه لا يزال يسمع صوتا ضعيفا للاله ‘ وانحنى ليأخذ وردة بيضاء نمت بين العشب ‘ مسكها بين ابهامه واصبعه اخذ يحركها بكل الاتجاهات وبهدوء الى ان كسر تيجها ‘ وسمع في تلك اللحظات القليلة صرخة ضعيفة. وهل يا ترى تعبر عن الالم ؟ ام عن الدهشة ؟ أم بالاحرى تعبير عن شعورلا تعرفه الكائنات البشرية ؟ وقف ليخلع السماعتيين ‘ اخذ النهار يميل الى العتمة ‘ أخذ الصندوق الاسود الى الكوخ ليضعه فوق المشغل الخشبي قفل الباب خلفه ومشى الى البيت .
في الصباح التالي نهض كلوزنر مع الفجر .. ارتدى ملابسه ليتوجه نحو الكوخ وأخرج الالة غادر من البوابة الامامية للبيت متوجهاالى الحديقة العامة وهناك توقف لينظر حوله ‘ ووضعها قرب جذع شجرة كبيرة .
عاد بسرعة الى البيت وأحضر فأسا ومن ثم اتجه لنفس المكان وضعه جانبا‘ نظر حوله بعينيين قلقتيين لا من أحد هناك … انها الساعة السادسه مساء …
وضع السماعتيين فوق اذنيه وأخذ يصغي الى صوت الاله الضعيف والمألوف لديه ‘ واضعا ساقيه على مسافة كبيرة ‘ حمل فأسه وجعل يحركه بالتناوب ‘ وبكل ما لديه من قسوة ‘ ضرب جذع الشجرة هذه الى ان دخل نصلها في خشبها وعلق هناك: وهي اللحظة التي سمع فيها أغرب صوت ودائما من خلال سماعتييه ‘ ضجة غريبه لا تشبه تلكم التي اعتاد سماعها : قريبة ..كبيرة
لا رنين لها .. صراخها لا يشبه صوت قطع الزهور : سريع ‘ وقصير. استمر عمله هذا دقيقه وكان أعلى صوت عندما ضرب الفأس ليضعف بالتدريج حتى انتهت .
نظر كلوزنر بدهشة الى مكان التصاق نصل الفأس في خشب الشجرة وأخذ بلطف مقبض الفأس الى ان حل نصله.. ورمى ما تناثر من نشارة الخشب على الارض ‘ وتلمس بأصابعه ما جرحه الفأس في الخشب محاولا جمع طرفي الجرح ليغلقه …ما فتأ قائلا » شجرة .. اه عذرا ‘ اعتذر ..
سيتحسن .. سيتحسن . »
وقف هناك لفترة ممسكا بجذع الشجرة الكبيرة ‘ وفجأة استدار مبتعدا وبسرعة خارج الحديقة العامة ليعبر الشارع راجعا الى منزله . اقترب من الهاتف لينظر في دليله وبعدما ركب الرقم انتظر حاملا بقوة السماعة بيده اليسرى ودون صبر هز الطاولة باليمنى الى ان سمع صوت المجيب متناوم » نعم ـ مرحبا «
ــ قال » دكتور سكوت ؟ «
ــ » نعم تكلم «
ــ » عليك الحضور فورا ـ بسرعة رجاء . »
ــ » من المتكلم ؟ «
ــ كلوزنر على الخط ـ هل تتذكر ما قلت لك الامسية الماضية عن تجربتي مع الصوت . وكم أتمنى أن أتمكن ـــــــــــــــــــــ . »
ــ » نعم .. نعم .. طبعا ‘ لكن ما الامر ؟ هل أنت مريض ؟ «
ــ » لا لست مريضا ‘ لكن ـــــــــــ. »
ــ » انها الساعة السادسة والنصف صباحا وترن الهاتف لتقول انك لست مريضا «
ــ » رجاء احضر .. احضر بسرعة ‘ أود لو تسمع ستخبلني بصوتها .. لا أستطيع تصديق ذلك .. «
سمع الطبيب موجات صوت الرجل المضطربة . كانت كتلك التي اعتاد سماعها من اصوات الناس التي ترن الهاتف لتقول » هناك حادث احضر بسرعة » وقال ببرود » هل حقا تريدني أن أترك فراشي لآحضر اليك . «
ــ » نعم فورا ‘ من فضلك . »
ــ » حسنا ــ ساتي . »
جلس كلوزنر بجانب الهاتف منتظرا… محاولا تذكر مدلولات صوت الشجرة لكن عبثا . كل ما يستطيع تذكره ا نه مرتفع … مخيف مما جعله مريض الصدمه .
وقف متخيلا مدلولات الصوت التي يمكن أن يصدرها الكائن البشري ومدى تحمله أذا ما ثبت في الارض بينما يتقصد أحدهم وبأداة حادة تتناوب بنصلها على رجله الى ان تتعمق فيها . هل سيكون ذات الصوت ؟ لا … بالتأكيد سيكون مختلف تماما . أن ما تصدره الشجرة أسوأ من أي صوت بشري يثير المخاوف ولا مصدر له .
سمع بأن البوابه الامامية فتحت وخرج ليرى الطبيب يتقدم وفي طريقه اليه . كان يحمل بيده حقيبة سوداء » حسنا ‘ ما المشكل ؟ » سأل الطبيب
ــ » تعال معي ــ اود لو تسمعها .. ناديتك لانك الانسان الوحيد الذي أعلمته ‘ انها بعد هذه الطريق في الحديقة العامة ‘هل ستحضر ؟ «
نظر الطبيب اليه ويبدو هادئا عما قبل ‘ لا شيء يشير على انه مختل ‘ كان مقلوبا رأسا على عقب ‘ مضطربا . عبرا الطريق المؤدية الى الحديقة بقيادة كلوزنر حتى وصلا الشجرة الكبيرة حيث وضع الصندوق الاسود . » والان ‘ رجاء ضع السماعتيين واصغ بعناية … قلي مالذي تسمعه بالضبط ؟ أود أن اكون على يقين . »
ــ تبسم الطبيب واضعا السماعتيين .. وانحنى كلوزنر نحو الالة أخذا الفأس وبكامل الجاهزية ليحركه ‘ لكن توقف للحظة : » هل تسمع شيئا ؟ » موجها سؤاله للطبيب .
ــ » مجرد صوت ضعيف من الالة . »
وقف كلوزنر وفأسه بيده رفعه ليحركه بالتناوب على الشجرة ‘ وبينما هو على هذا النحو ‘ تملكه شعور بحركة في الارضية التي يقف عليها ‘ وكأن جذور الشجرة بدأت تتحرك في التربة ‘ ومن غير الممكن ايقاف هذه الهزه ونصل فأسه يضرب فيها ويتعمق في خشبها . وفي تلك اللحظة …نظر الى مصدر صوت تشقق الخشب وتكسره بالاضافة الى صوت حفيف أوراق الشجر تتدافع مع بعضها .. صاح الدكتور » ارقب ذلك ‘ ابتعد وبسرعة » .
خلع الطبيب السماعتيين وابتعد مسرعا ‘ بينما كلوزنر ثبت في المكان ‘ ينظر وعيناه مفتوحتان نحو الفرع الكبير ان طوله لا يقل عن ستة أقدام . كان ينحني ببطء الى الارض ‘ انه يتكسر في أقوى نقطة له ‘ انها نقطة تعلقه بالجذع ‘ وهكذا ينكسر الفرع … ويهبط .. وهنا قفز كلوزنرمبتعدا في اللحظة المناسبة . وقع فوق الالة ليحولها الى قطع متناثرة .
» ياللسماء … صاح الطبيب وهو يركض الى ذات المكان » افتكرت انها ضربتك » .
كان كلوزنر ينظر الى أعلى الشجرة ورأسه متكأ ‘ وتظهر تعابير الخوف على وجهه الابيض الناعم .. مشى ببطء اليها ورفع نصل فأسه من الجذع .
ــ » هل سمعت ؟ » سأله مستديرا نحوه . أجابه الطبيب وهو لا يزال يلهث راكضا نحوه باهتمام » أسمع ماذا ؟ »
ــ » من السماعتيين ‘ ألا تسمع شيئا عند التقاء الفأس بالجذع . »
بدأ الطبيب يفرك رقبته » حسنا ‘ أظن … » توقف ضاغطا شفته السفلى » لا ‘ لست متأكدا .. لا يمكن التأكد … لا أفترض وضع السماعتيين ولا حتى ثانية بعد ضرب الفأس بالجذع . » كان يتكلم بسرعة وخشونة .
ــ » نعم .. نعم .. ماذا سمعت ؟ »
ــ » لا أعرف .. لا أعرف .. ربما انه صوت تكسسر فرع الشجرة . »
ــ » ما مدلولاتها ؟ هل تعرف تماما ما مدلولاتها ؟ » سأل كلوزنر وهو ينظر بقسوة الى الطبيب .
ــ » كيف يمكنني شرح ذلك والشجرة تتصدع فوقي ؟ علي أن أبتعد للحفاظ على حياتي .. «
وبدا الطبيب عصبيا واستدار ليذهب » حسنا .. علينا العودة .. والان تفهم كلوزنر الامر .
أضاف الرجل الصغير » انظر » و وجهه الناعم الابيض تملؤه الحمرة الان » انظر .. عليك العناية بها » . مشيرا الى الجرح الذي خلفه الفأس في الجذع . » عليك العناية بها وبسرعة . »
ــ » لا تكن أحمق » قال الطبيب
ــ » افعل كما قلت » اعتن بها . » صوته يميل للغرابة وشيء من التهديد والفأس لا يزال بيده .
» لا تكن أحمق .. لا يمكنني رعاية الخشب .. تعال ‘ دعنا نعود «
ــ » هكذا لا يمكنك رعاية الخشب ؟ »
ــ » لا بالطبع .. لآ .. «
ــ » هل عندك مادة اليود في الحقيبة ؟ »
ــ » نعم . »
ــ » اذا … ادهنها باليود هكذا ستلسع . »
ــ » لن نكون اغبياء ــ دعنا نعود للبيت وبعدها … «
ــ » ادهن الجرح باليود . »
وهنا راى الطبيب يدي كلوزنر تقبض بقوة على الفأس ‘ وما عليه الا الفرار الان ‘ وبالتأكيد لن يفعل ذلك . »
ــ » حسنا .. سأدهنها باليود . » فتح حقيبته وأخرج زجاجة اليود وقطع القطن ‘ اتجه نحو جذع الشجرة ‘ صب بعضا من اليود على القطن الصوفي ليفرك طرفي الجرح ‘ وعينه ترقب كلوزنر .. كان واقفا بلا حراك والفأس بين يديه يتابع عمل الطبيب » هاهو .. لقد تم الامر . » قال الطبيب
واقترب كلوزنر متفحصا وبعناية طرفي جرح الشجرة » ستأتي غدا وتلق نظرة عليها .. أليس كذلك ؟ »
ــ » طبعا … بالتأكيد . » أضاف الطبيب
ــ » وهل ستضع مزيدا من اليود ؟ «
ــ » حسب الضرورة . »
ــ » شكرا « .. قال كلوزنر خافضا فأسه وعلى وجهه ابتسامة عريضة تملؤها البهجة ‘ واقترب الطبيب مسرعا اخذا بيده قائلا » تعال ‘ علينا الذهاب الان . » وعادا ادراجهما متمشيان بصمت وبهرولة .. لقد قطعا الحديقة العامة الى الطريق المؤدية للمنزل …
ترجمة واعداد فاطمة حسام الدين – جنيف سويسرا في 14 اب 2008