الأمير حسام الدين لاجين المعروف بالصغير موسس اسرة الحسامي
عاش لأمير حسام الدين لاجين المنصوري المعروف بالصغير مؤسس أسرة الحسامي مع بداية القرن الثالث عشر في مصر ابان عهد الأمير سبف الدين فلاوون الذي أغدق عليه هذ اللقب بعد ان كان مملوكا واشتراه ثم اعتقه وضمه الى امراء قصرة وبعد وفاة سيف الدين قلاوون تسلم ابنه الأشرف خليل قلاوون الذي حاول اكثر من مرة ابعاد حسام الدين وقتله اللا ان حسام الدين نال منه وتسلم السلطنة خلفا له حتى قتل غدرا وهو يصلي .
من هو حسام الدين الذي حكم في مصر ودمشق وطرابلس وشارك في الحملات الصليبية وتصدى لغزو المغول وحارب الصليبيين وشارك في حصار عكا ؟
كان أولاً من جملة مماليك الملك المنصور علي بن الملك المعز أيبك، الذي كان زوج شجرة الدر فلما خُلع اشتراه الأمير سيف الدين قلاوون وهو أمير بسبعمائة وخمسين درهماً، من غير مالك شرعي، فلما تبين له أنه من مماليك المنصور اشتراه مرة ثانية، بحكم بيع قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز له عن المنصور وهو غائب ببلاد الأشكري. وعرف حين بيعه بشقير، فربي عند قلاوون وقيل له لاجين الصغير، وترقى في خدمته من الأوشاقية إلى السلاح دارية. ثم أمّره قلاوون واستنابه بدمشق لما ملك، وهو لا يعرف إلا بلاجين الصغير، فشكرت سيرته في النيابة، وأحبته الرعية لعفته عما في أيديهم، فلما حكم الأشرف خليل بن قلاوون قبض عليه وعزله عن نيابة دمشق، ثم أفرج عنه وولاه إمرة السلاح دار كما كان قبل استنابته على دمشق. ثم بلغه أن الأشرف يريد القبض عليه ثانياً، ففر من داره بدمشق، فقبض عليه وحمل إلى قلعة الجبل، وأمر بخنقه قدام السلطان. ثم نجا من القتل بشفاعة الأمير بدر الدين بَيدرا، وأعيد إلى الخدمة على عادته، واشترك مع بيدرا في قتل الأشرف خليل…ثم اختفى خبره مدة، وتنقل في المدن إلى أن تحدث الأمير زين الدين كتبغا في أمره، فعفي عنه وأعيد إلى إمرته كما كان. فلما صار زين الدين كتبغا سلطاناً، استقر لاجين في نيابة السلطنة بديار مصر، إلى أن ركب على كتبغا وفر منه
و من صفاته » كان أشقر أزرق العينين معرق الوجه، طوالاً مهيباً شجاعاً مقداماً، عاقلاً متديناً يحب العدل ويميل إلى الخير ويحب أهله، جميل العشرة مع تقشف وقلة أذى. وأبطل عدة مكوس وقال: » إن عشت لاتركت مكساً البتة. » وكان يحب مجالسة الفقهاء والعامة ويأكل طعامهم، وكان أكولاً. »
كما يصفه المقريزي بالتقوى وبأنه اهتم باليتامى وأكثر لهم من أموال الأمراء وحافظ على حقوق الوارثين في أراضيهم وحاول رد ما أخذه من أموال بصور غير شرعية. كما يقول أنه كان: »شجاعاً مقداماً على أقرانه في الفروسية وأعمالها، كثير الوفاء لمعارفه وخدامه. »
أما ابن تغري بردي فيقول عن المنصور لاجين في مورد اللطافة: » كان المنصور من أعقل الناس وأحسنهم وأحشمهم وأشجعهم وهو الذي عمر الجامع الطولوني خارج القاهرة بعدما كان أشرف على الخراب، وأوقف عليه هذه الأوقاف الجليلة
فقد اقام السلطان حسام الدين لاجين سنة 696 هجرية = 1296/ 97م عدة إصلاحات هامة في الجامع
الأمير حسام الدين يشارك في الحروب الصليبية
خرج الأشرف خليل من القاهرة في (صفر 690هـ= 1291م) قاصدًا « عكا »، وأرسل في الوقت نفسه إلى كل ولاته بالشام بإمداده بالجنود والعتاد، ونودي في الجامع الأموي بدمشق بالاستعداد لغزو « عكا » وتطهير الشام نهائيًا من الصليبيين، واشترك الأهالي مع الجند في جر المجانيق.
وخرج الأمير « حسام الدين لاجين » نائب الشام بجيشه من « دمشق »، وخرج الملك المظفر بجيشه من « حماة »، وخرج الأمير « سيف الدين بلبان » بجيشه من « طرابلس »، وخرج الأمير « بيبرس الدوادار » بجيشه من « الكرك »، وتجمعت كل هذه الجيوش الجرارة عند أسوار عكا، وقدر عددها بنحو ستين ألف فارس، ومائة وستين ألفًا من المشاة؛ مجهزين بالأسلحة وعدد كبير من آلات الحصار، وبدأت في فرض حصارها على « عكا » في (ربيع الآخر 690هـ= 5 من إبريل 1291م)، ومهاجمة أسوارها وضربها بالمجانيق؛ وهو ما مكنهم من إحداث ثقوب في سور المدينة.
اشتد الحصار الذي دام ثلاثة وأربعين يومًا، وعجز الصليبيون عن الاستمرار في المقاومة، ودب اليأس في قلوبهم؛ فخارت قواهم، وشق المسلمون طريقهم إلى القلعة، وأجبروا حاميتها على التراجع؛ فدخلوا المدينة التي استسلمت، وشاعت الفوضى في المدينة، بعد أن زلزلت صيحات جنود المماليك جنبات المدينة، وهز الرعب والفزع قلوب الجنود والسكان؛ فاندفعوا إلى الميناء في غير نظام يطلبون النجاة بقواربهم إلى السفن الراسية قبالة الشاطئ؛ فغرق بعضهم بسبب التدافع وثقل حمولة القوارب.
انهارت المدينة ووقع عدد كبير من سكانها أسرى في قبضة المماليك، وسقطت في يد الأشرف خليل في (17 من جمادى الأولى 690هـ= 18 مايو 1291م)، ثم واصل سعيه لإسقاط بقية المعاقل الصليبية في الشام؛ فاسترد مدينة « صور » دون مقاومة، و »صيدا » ودمرت قواته قلعتها، وفتح « حيفا » دون مقاومة، و »طرسوس » في (5 من شعبان 690هـ= 3 من أغسطس 1291م)، و »عثليث » في (16 من شعبان 690هـ).
ظلت الجيوش المملوكية تجوب الساحل الشامي بعد جلاء الصليبيين من أقصاه إلى أقصاه بضعة أشهر تدمر كل ما تعتبره صالحًا لنزول الصليبيين إلى البر مرة أخرى، وبهذا وضع « الأشرف خليل » بشجاعته وإقدامه خاتمة الحروب الصليبية.
عاد السلطان إلى القاهرة يحمل أكاليل النصر، وسار موكبه في الشوارع يسوق أمامه عددًا كبيرًا من الأسرى، وخلفهم جنوده البواسل يحملون أعلام الأعداء منكسة، ورؤوس قتلاهم على أسنة الرماح
محاولات قتل الأمير حسام الدين
يبدو من روايات المؤرخين أن السلطان الأشرف خليل بن السلطان قلاوون لم يكن يظهر الاحترام الواجب للأمراء الكبار حتى وصل بهم الأمر إلى قتله. ساءت العلاقة بين الأشرف خليل وحسام الدين لاجين بسبب الوشايات وبسبب غضب السلطان على حميه الأمير ركن الدين بيبرس طقصوا. قبض السلطان على لاجين وحميه وآخرين وأخرجوا من الجب ليُخنقوا وخنقوا جميعاً حتى ماتوا عدا لاجين.
يقول المقريزي في نفس الكتاب: « وتولى خنق لاجين الأمير قراسنقر، فلما وضع الوتر في عنقه انقطع، فقال: »يا خوند ما لي ذنب إلا حميي طقصوا وقد هلك، وأنا أطلق ابنته. » وكان قراسنقر له به عناية، فتلطف ولم يعجل عليه، لما أراد الله من أن لاجين يقتل الأشرف ويملك موضعه، وانتظر أن تقع به شفاعة. فشفع الأمير بدر الدين بيدرا في لاجين، وساعده من حضر من الأمراء، فعفى عنه ظناً أنه لا يعيش… »
ثم كان أن استعدى وزير الأشرف خليل السلطان على الأمير بدر الدين بيدرا بسبب الكراهية بينهما. اشتد غضب السلطان على بيدرا وسبه بحضرة الأمراء فخاف بيدرا وجمع خشداشيته، ومنهم حسام الدين لاجين، وقرروا قتل السلطان. خرج السلطان في رحلة صيد ووصل خبر إلى بيدرا وجماعته أن السلطان سبق باقي الأمراء وليس معه سوى أمير واحد فلحقوا به. ضربه بيدرا أولاً فلم يقتله فتقدم لاجين قائلاً: « يا بيدرا! من يريد ملك مصر والشام تكون هذه ضربته. » وضرب السلطان فأسقطه إلى الأرض.
اجتمع المماليك السلطانية بعد ذلك وقادهم زين الدين كتبغا ليقتلوا بيدرا وجماعته. قصد الأمير كتبغا بيدرا في المعركة بسهمه صائحاً: »يا بيدرا! أين السلطان؟ » وتبعه الباقين بسهامهم فمات بيدرا وتمكن لاجين من الهرب من الموت المحقق للمرة الثانية مع الأمير قراسنقر.
تقول بعض الروايات أن لاجين ظل مختبئاً بعد ذلك في جامع ابن طولون الذي كان مهجوراً في ذلك الوقت وأنه نذر إن قدر الله له أن ينجو ويصل إلى السلطنة أن يصلح هذا الجامع. بعد ثلاث سنوات من ذلك – في عام 1296 م – يشاء الله أن يصل لاجين إلى السلطنة بالفعل ليحكم لمدة سنتين وشهرين.
بعد هروبهما بفترة، ظهر لاجين وقراسنقر من مخبئهما واستعانا بأحد أمراء زين الدين كتبغا – الذي كان نائب السلطان – فتوسط لهما كتبغا فعفا عنهما السلطان الناصر محمد بن قلاوون الذي كان طفلاً في ذلك الوقت. وأصلح كتبغا بينهم وبين باقي الأمراء. يقول المقريزي: »كانت هذه الفعلة من كتبغا مع لاجين كعنز السوء بحثت عن حتفها بظلفها. »
كان أن خلع الأمراء السلطان الناصر محمد بعد ذلك وأقاموا كتبغا مكانه. حكم كتبغا سنتان ولى فيهما لاجين نيابة مصر. وبسبب المؤامرات والصراعات قرر الأمراء التخلص من كتبغا وكان أولهم لاجين ولكن كان كتبغا محظوظاً فتمكن من الهرب قبل أن يقتل ووصل إلى دمشق وخلع نفسه من السلطنة هناك. تولى لاجين السلطنة وقرر إرسال السلطان السابق الصغير صاحب الحق بالوراثة – السلطان الناصر محمد بن قلاوون – إلى الكرك. ينقل المقريزي الحديث بين لاجين والناصر محمد فيقول أن لاجين خاطب الناصر قائلاً: »لو علمت أنهم يخلوك سلطاناً والله تركت الملك لك، لكنهم لا يخلونه لك. وأنا مملوكك ومملوك والدك، أحفظ لك الملك… » وتم الاتفاق بين الاثنين على أن يبقي لاجين على حياة الناصر ليعيش في الكرك حتى يكبر ويقوى ويرجع لسلطنته على شرط أن يعطي لاجين نيابة دمشق.
ولاية الأمير حسام الدين لا جين على دمشق
وأما حسام الدين لاجين فإنه تسلطن يوم الجمعة عاشر صفر وركب يوم الخميس سادس عشر صفر وشق القاهرة وتم أمره وأما الملك العادل كتبغا هذا فإنه استمر بقلعة دمشق إلى أن عاد الأمير جاغان المنصوري الحسامي إلى دمشق في يوم الاثنين حادي عشر شهر ربيع الأول وطلع من الغد إلى قلعة دمشق ومعه الأمير الكبير حسام الدين الظاهري أستاذ الدار في الدولة المنصورية والأشرفية والأمير سيف الدين كجكن وحضر قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة قاضى دمشق ودخلوا الجميع إلى الملك العادل كتبغا فتكلم معهم كلامًا كثيرًا بحيث إنه طال المجلس كالعاتب عليهم ثم إنه حلف يمينًا طويلة يقول في أولها: أقول وأنا كتبغا المنصوري ويكرر اسم الله تعالى في الحلف مرة بعد مرة أنه يرضى بالمكان الذي عينه له السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين ولا يكاتب ولا يسارر وأنه تحت الطاعة وأنه خلع نفسه من الملك وأشياء كثيرة من هذا النموذج ثم خرجوا من عنده.
وكان المكان الذي عينه له الملك المنصور لاجين قلعة صرخد ولم يعين المكان المذكور في اليمين.
ثم ولى الملك المنصور نيابة الشام للأمير قبجق المنصوري وعزل أغزلو العادلي فدخل قبجق إلى دمشق في يوم السبت سادس عشر شهر ربيع الأول وتجهز الملك العادل كتبغا وخرج من قلعة دمشق بأولاده وعياله ومماليكه وتوجه إلى صرخد في ليلة الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الأول المذكور وجردوا معه جماعة من الجيش نحو مائتي فارس إلى أن أوصلوه إلى صرخد.
فكانت مدة سلطنة الملك العادل كتبغا هذا على مصر سنتين وثمانية وعشرين يومًا وقيل سبعة عشر يومًا وتسلطن من بعده الملك المنصور حسام الدين لاجين حسب ما تقدم ذكره.
مقتل الأمير حسام الدين
كسابقيه، جاء دور لاجين وتصارع أمراؤه فقتل في يوم كان أصبحه صائماً. كان جالساً يلعب الشطرنج بعد الإفطار فدخل عليه أحد أمرائه الموثوق بهم و انتهز فرصة قيامه للصلاة فضرب كتفه كما ضرب لاجين الأشرف خليل من قبل ثم أجهز عليه باقي المتآمرون.
يقول المقريزي أن لاجين كان يعرف أنه لابد مقتول منذ أن قتل الملك الأشرف حتى أنه يوم اغتياله ظل يردد: « من قَتَل قُتل. »
كان خطأ السلطان الأشرف خليل هو عدم احترامه للأمراء الكبار ولكنه كان من الفاتحين. استهل سلطنته بفتح عكا.
أما لاجين الذي قدر له أن ينجو وهو على وشك الموت أكثر من مرة، والذي عاش حياته في صراعات مستمرة متوقعاً نفس النهاية التي انتهى بها غيره والتي كان هو أحد وسائلها في أكثر من حالة،